ارتفاع عدد الوافدين الأفارقة بنسبة 27% في سبتمبر.. رغم المخاطر لماذا تتصاعد الهجرة الإفريقية إلى اليمن؟
ارتفاع عدد الوافدين الأفارقة بنسبة 27% في سبتمبر.. رغم المخاطر لماذا تتصاعد الهجرة الإفريقية إلى اليمن؟
أعلنت منظمة الهجرة الدولية عن ارتفاع عدد المهاجرين الأفارقة القادمين إلى اليمن خلال شهر سبتمبر 2025 بنسبة 27% مقارنة بشهر أغسطس، حيث سُجّل وصول 8,878 مهاجراً مقابل 6,985 في الشهر السابق.
وتُظهر هذه الزيادة استمرار موجات الهجرة غير النظامية عبر البحر الأحمر وخليج عدن، رغم المخاطر الأمنية والإنسانية التي تواجه المهاجرين في طريقهم إلى الأراضي اليمنية التي تمزقها الحرب الدائرة بين الحكومة الشرعية وميليشيا الحوثي.
وقالت المنظمة، في تقريرها الدوري حول “مراقبة تدفق المهاجرين الوافدين”، إن الغالبية العظمى من المهاجرين (نحو 97%) يحملون الجنسية الإثيوبية، بينما يشكل الصوماليون نحو 3% فقط، كما أظهرت الإحصاءات أن الرجال يمثلون النسبة الأكبر من الوافدين بنسبة 71%، مقابل 12% من النساء و17% من الأطفال.
سواحل محفوفة بالخطر
بحسب التقرير، دخل أكثر من نصف المهاجرين، أي نحو 55%، الأراضي اليمنية عبر السواحل الصومالية باتجاه محافظتي أبين وشبوة جنوب البلاد، بينما عبر 40% منهم من جيبوتي نحو سواحل تعز وأبين، في حين دخل نحو 441 مهاجراً عبر مديرية شحن بمحافظة المهرة بعد ترحيلهم من سلطنة عُمان.
هذه الأرقام تكشف عن شبكة معقدة من طرق الهجرة التي تربط القرن الإفريقي باليمن، حيث يعمل المهربون وشبكات الاتجار بالبشر على نقل المهاجرين في رحلات بحرية غير آمنة تستغرق ساعات طويلة في ظروف قاسية، غالباً ما تنتهي بكوارث إنسانية وغرق مراكب.
تقرير المنظمة أوضح أن المهاجرين يستخدمون هذه الطرق سعياً للوصول إلى دول الخليج بحثاً عن فرص عمل أو حياة أفضل، لكن كثيرين منهم ينتهي بهم المطاف عالقين في اليمن بسبب الحرب أو القيود الأمنية، أو يتعرضون للاحتجاز والانتهاكات على أيدي شبكات التهريب أو أطراف النزاع.
هجرة عكسية من اليمن إلى القرن الإفريقي
ولم تقتصر حركة الهجرة على الاتجاه من إفريقيا إلى اليمن، إذ رصدت منظمة الهجرة الدولية أيضاً مغادرة 1,250 مهاجراً إثيوبياً الأراضي اليمنية خلال سبتمبر، عبر رحلات بحرية من سواحل لحج إلى مدينة أوبوك في جيبوتي.
وأشارت المنظمة إلى أن هذه الحركة "تعكس نمطاً دائرياً للهجرة" بين ضفتي البحر الأحمر، حيث يواصل المهاجرون التنقل بين بلدان المنشأ وبلدان العبور في محاولات متكررة للوصول إلى وجهاتهم النهائية.
وقال مكتب المنظمة في اليمن إن "العديد من المهاجرين يضطرون إلى العودة بعد أن يصطدموا بواقع النزاع المسلح وانعدام الأمن وفرص العمل المحدودة"، مؤكداً أن "الكثير منهم يحتاجون إلى مساعدات عاجلة تشمل الغذاء والمأوى والرعاية الصحية".
ظروف قاسية وأوضاع إنسانية هشّة
تصف التقارير الميدانية التابعة للمنظمة الوضع الإنساني للمهاجرين في اليمن بأنه "بالغ الخطورة".
فمعظم الوافدين يعيشون في مخيمات مؤقتة أو مناطق ساحلية نائية دون مياه نظيفة أو خدمات صحية، كما يتعرض كثيرون للعنف الجسدي والاستغلال، خاصة النساء والأطفال، في ظل غياب شبه تام للحماية القانونية.
وتشير المنظمة إلى أن فرقها العاملة في محافظات مثل شبوة ومأرب ولحج تقدم خدمات إنسانية أساسية تشمل المأوى المؤقت والرعاية الطبية الطارئة والدعم النفسي، لكنها تواجه تحديات هائلة بسبب انعدام التمويل وضعف الأمن في مناطق النزاع.
اليمن كمحطة عبور إلى الخليج
على الرغم من الحرب المستمرة منذ عام 2015، لا يزال اليمن يشكل ممراً رئيسياً للمهاجرين من القرن الإفريقي نحو السعودية ودول الخليج.
وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن أكثر من 90 ألف مهاجر دخلوا اليمن خلال عام 2023 وحده، معظمهم من إثيوبيا، في رحلات محفوفة بالمخاطر عبر البحر الأحمر.
ويتبع المهاجرون عادة طريقين رئيسيين الأول من الساحل الصومالي إلى محافظات شبوة وأبين، والثاني من جيبوتي إلى تعز والحديدة، لكن تصاعد النزاع المسلح والانقسامات السياسية جعلت الرحلة أكثر تعقيداً وخطورة، إذ يواجه المهاجرون خطر الاعتقال أو الاستغلال على أيدي المهربين أو الجماعات المسلحة.
وتعد منظمة الهجرة الدولية من الجهات القليلة التي تتابع وتوثق تحركات المهاجرين داخل اليمن، من خلال مشروع "مراقبة تدفق المهاجرين" الذي يهدف إلى فهم ديناميات الهجرة وتحديد احتياجات الوافدين لتقديم المساعدة الإنسانية اللازمة.
تحذير من التدهور الإنساني
دعت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى ضمان سلامة المهاجرين داخل اليمن، مؤكدة أن "أوضاعهم تتدهور بشكل سريع في ظل غياب الحماية الرسمية".
وقالت في بيان سابق إن "اليمن، رغم كونه دولة عبور، أصبح أيضاً بلد لجوء مؤقت لمئات الآلاف من المهاجرين والنازحين، مما يزيد الضغط على موارده المحدودة".
أما هيومن رايتس ووتش فحذرت من "الانتهاكات الممنهجة ضد المهاجرين الإثيوبيين"، مشيرة إلى تقارير عن احتجازهم في ظروف غير إنسانية وترحيل بعضهم قسراً من قبل قوات محلية أو سلطات إقليمية.
وطالبت المنظمة بإنشاء "آلية مراقبة أممية مستقلة" لرصد أوضاع المهاجرين في المناطق الخاضعة لمختلف أطراف النزاع داخل اليمن.
الفقر والنزاعات وانسداد الأفق
ترجع جذور الظاهرة إلى الأزمات الاقتصادية والبيئية والسياسية التي تعصف بدول القرن الإفريقي، خاصة إثيوبيا والصومال وإريتريا، فالحروب الأهلية، والجفاف، وانعدام فرص العمل، تدفع آلاف الشبان سنوياً إلى مغادرة بلدانهم سعياً وراء حياة أفضل في دول الخليج.
لكن الرحلة المحفوفة بالمخاطر كثيراً ما تتحول إلى مأساة إنسانية، وتشير بيانات منظمة الهجرة إلى أن مئات المهاجرين لقوا حتفهم غرقاً أو بسبب الجوع والعطش خلال محاولاتهم عبور البحر الأحمر وخليج عدن في السنوات الأخيرة.
الحل الإقليمي.. بين التنسيق والإنقاذ
يرى مراقبون أن معالجة هذه الأزمة تتطلب مقاربة إقليمية شاملة تشمل دول المصدر والعبور والمقصد، إلى جانب دعم أممي مستمر لمبادرات الحماية والإغاثة.
وتدعو منظمة الهجرة الدولية إلى "تعزيز التعاون بين الحكومات لمكافحة شبكات الاتجار بالبشر وتوفير بدائل آمنة للهجرة النظامية".
كما شددت على ضرورة دعم برامج التوعية في بلدان المنشأ لتحذير الشباب من مخاطر الرحلة، وتوسيع برامج إعادة الإدماج للمهاجرين العائدين إلى أوطانهم.
ارتفاع أعداد المهاجرين إلى اليمن في سبتمبر يعكس مفارقة قاسية فبينما يفر الآلاف من الفقر والعنف في إفريقيا بحثاً عن فرصة، يجدون أنفسهم في بلد يعاني بدوره من حرب وانهيار اقتصادي.
وتبقى حركة المهاجرين عبر البحر الأحمر رمزاً لأزمة إنسانية ممتدة، لا يمكن كسر دائرتها إلا عبر حلول جذرية تعالج أسباب الهجرة، وتوفر للإنسان حقه في الحياة الكريمة والأمان.